الأحد، 27 يوليو 2008

مدينة الشنافية في محافظة الديوانية

الشنافية
محسن السيد حسين الحسيني
نزح أحد السادة الأشراف من أهل المدينة المنورة وهو السيد علي السيد إبراهيم الحسيني إلى مدينة النجف الأشرف وذلك في سنة (1100) هجرية وكان معه أولاده سيد حسين وسيد ضاحي ومعه مجموعة من الخدم والحشم واستقر هذا السيد في النجف لمدة سبع سنوات ومما يظهر ونقلاً عن عمي سيد جواد رحمه الله أن سيد علي ليس من سكان المدن لهذا نراه خرج وسكن في منطقة الرماحية ، وكانت تسمى روم ناحية ثم حرفت اللفظة إلى رماحيه ، وفيها كانت آمرية الجيش التركي وكانت تقع على ضفاف الفرات القديم والذي كان يسمى شط خالد ، والمنطقة تحت نفوذ عشائر الخزاعل والأرض بعمومها تسمى أرض الحسكة ، ولا زالت خرائبها وسورها قائم لحد الآن ، ومنها ظهر الشيخ محمد ابن يونس الجليحي الحسكي صاحب الرسائل المشهورة في السجع ، إن هذه الأرض التي سكنها سيد علي ترجع إلى نصيفة الخزاعل السلمان ، حيث أن الخزعل ينقسمون إلى قسمين نصيفة السلمان ويرئسها سلمان المحسن القائم ، ونصيفة البو حمد ويرئسها حمد الحمود المشهور بالكرم والمعرفة والفراسة وكانت لهذا الشيخ وجاهة عند الحكومة العثمانية وينافسه على المشيخة العامة شيخ سلمان المحسن الغانم .
واستقر سيد علي في أرض تعود إلى محسن الغانم وأكثر روايات سادتنا الكبار أن لهذا السيد وجاهة دينية ومعنوية ومادية حيث بدء السيد بمشاريع زراعية وتجارية لهذا اجتمعت عليه الناس من كل حدب وصوب من تجار وكسبة وأصحاب مهن حرفية وأول من سكن معه من البيوت العلمية بيت البو نصار الشبيانيون ، وفي هذي القرية تربى ويرع في الشعر العامي الشيخ محمد ابن شيخ علي النصار المشهور بالمراثي الحسينية ومع مرور الزمن صارت قرية سيد علي تضاهي قرية الخزاعل السلمان ، وبرز ولده سيد حسين وفي مضيفه كانت تعقد المؤتمرات والاجتماعات لحل المشاكل العشائرية ، وكان السيد علي وولده سيد حسين مسموعين الكلام عند رؤساء الخزاعل والشبل وعشائر جبشه وكان الأتراك هم الذين يعينون الرؤساء الكبار ، وقام الشيخ محسن بحرب ضد الحكومة فجردت عليه حملة عسكرية أوقعت به وبعشيرته ثم أخذوه أسيراً هو وبعض المشائخ إلى إسطنبول وأسندو رئاسة كافة العشائر إلى ابن عمه حمد الحمود شيخ نصيفة البو حمد ، وشاع له الذكر الطيب لما كان لهذا الشيخ من معرفة وحكمة وفراسة وكرم وأصدرو له الفرمان وألبسوه الخلعة وامتد نفوذه وتسلم جميع منطقة الفرات الأوسط بدءاً من العرجاء شمال مدينة الناصرية الحالية حتى مدينة المحمودية وبعد فترة أطلق سراح محسن الغانم وأعوانه وأرجعوا له قسم من أرضه المسلوبة وبدأوا يتنافسون هو وحمد الحمود على المشيخة ولما رأى حمد الحمود أن ابن عمه لم يتقلص نفوذه وعادة سيطرته كما كانت عرف أن قوة محسن الغانم بوجود هذا السيد إلى جانبه لذلك بدء مع السيد الترغيب والترهيب وأخيراً بمساعدة الأتراك أرغم السيد على نقل القرية إلى مكان ثاني يقع شرق مرقد السيد أحمد العريضي المعروف الآن بالحمزة الشرقي على بعد أربع كيلو متر وقال نصاً : (يا سيد علي جمعت لك هذي الأرض من كافة أفخاذ الخزعل وهي ملك لك ولأهل قريتك حتى لا تكون عليك منة لأحد من الناس) لهذا سميت قرية الملوم لأنها جمعة من كل الخزاعل ودرجت على السنة الناس سيد علي وأهل قريته أهل الملوم أي الأرض الملمومة وتوفي سيد علي في هذه القرية وتحول نهر الفرات عن بلدة الرماحية إلى مجرى نهر أبي صخير الحالي مع وجود نهر الديوانية والديوانية هي ديوانية حمد الحمود أي مضيفه وهجر الناس الرماحية ونزحو إلى قرية لملوم وإلى بلدة الديوانية الحالية حيث بدأت بالتعمير والازدهار من ذلك الوقت .
وبرز بعد سيد علي ولده سيد حسين ويقول عمي سيد جواد رحمه الله أن سيد حسين كان في حياة والده معروف عند الناس وله مكانة ومحترم وكان يميل إلى رجال الدين كثيراً ويقرب العلماء ويكرمهم وكان معاصراً للشيخ حمود السلامي الظالمي والشيخ محمد مهدي الفتوني والسيد شبر ابن ثنوان المشعشعي والشيخ إبراهيم ابن محمد ألبو نصار والشيخ محمد ابن يونس الحسكي الجليحي لهذا بدأ شيوخ الخزاعل يتقربون ويجزلون له العطايا ، وتزوج بنت محسن السبتي أحد مشايخ الخزاعل تسمى دزبه ولدت له بنتان وهي ليلو حنيشيه وانشق عليه أخيه سيد ضاحي وانتقل عنه إلى قرية ثانية قريباً عن سيد حسين وعمرت قرية لملوم لوقوعها على طريق زوار العتبات المقدسة حتى ضاهت مدينة الديوانية .
وفي هذا الوقت قامت حرب طاحنة بين الخزاعل وأحلافهم من جهة والمنتفق وأحلافهم من جهة ثانية وحسمت المعركة لصالح الخزاعل وانهزم المنتفق ، وبعد هذي المعركة الفاصلة كلف السيد من قبل المرجع الأعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء أن يقوم سيد حسين وبعض العلماء الكبار بالصلح ما بين المتنازعين فقام بالمهمة هو والعلماء والسادات والوجهاء والشيوخ وحدد المكان والزمان لعقد الصلح وأبرام الاتفاقيات خطياً بينهم فكان المكان مضيف سيد حسين ، وفي هذا الوقت مرض السيد فكان لا يقدر أن يقوم بغير العكازة وجاءت العمرة فكانت بحدود ألف وخمسمائة فبنى لهم البيوت وفرشها بأحسن الفراش وبقت العمرة شهر كامل ، حيث أبدى السيد من كرم الضيافة ما أدهش القوم وكان اكرامه لضيوفه يزداد يوم على يوم ومن هذي المكرمة جاء اسم مكَوطر لأنه يخرج قبل حملة الصحون والصواني ومؤشر لهم بعكازته (قوطرها ـ قوطرها) أي اجعلوا صحون الطعام قطر واحد وكان يذبح من الأغنام والأبقار مائة وخمسين رأس يومياً فبدأ الناس من هذي الحادثة ينادون سيد حسين أبو قوطرها ومع الوقت حرفه إلى أبو مكَوطرها أو مكَوطر وتسمى جميع أقربائه باسم ألبو مكَوطر ، وأصاب قرية لملوم الطاعون الجارف المؤرخ بكلمة مرغز وهجرة البلدة ومنها انتقلوا إلى قرية أم النجرس شمال قضاء الرميثة الحالي ، ولم تكن قد أسست آنذاك وبقوا في هذه القرية 15 سنة ، ومنها انتقلوا إلى قرية اعسبجه قرب قرية الجمجه الحالية دامت 20 سنة ومن هذه القرية نزحوا إلى موقع الشنافية الحالي .
وجدوا في هذا المكان رجل من قبيلة الزياد يرعى الجاموس اسمه اشنافي فسميت البلدة باسمه حتى الآن وعمرت وصارت ميناء حيث أن طرق المواصلات ونقل الحبوب كانت بالسفن الشراعية وعند الشنافية يتوحد نهر الفرات فكانت الميناء الرئيسي لتصدير الحبوب إلى البصرة والنجف وكربلاء والكوفة ومن كربلاء تنقل الحبوب إلى بغداد بواسطة قوافل الجمال وعمرت فيها الخانات والمساجد للزوار اللذين يردون عن طريق البصرة وأهل الأهواز والبحرين وزوار الخليج العربي حتى من الهند وقوافل البدو تأتيهم من خايل والرياض من قبائل شمر واعنزه .
هذا ما علق بذاكرتي من تأريخ الشنافية وأهلها نقلاً عن عمي سيد جواد وأخي الكريم سيد حسين وبعض مشائخ أهل الشنافية ونقلاً عن مخطوطة سيد حسين البراقي وكتاب عشائر الخزاعل للشيخ حمود الساعدي ومجلة الإيمان للمرحوم شيخ موسى اليعقوبي .
أما المؤسسين لقرية لملوم الأولى ومن البيوت الباقية لحد الآن السادة ألبو مكوطر وألبو نصار وبيت ألبو دايم وبيوت ألبو درب وبيت الحاج عباس الرماحي والسادة الحمادي وبيت حاج عبود الجبوري وبيت الرعد الفليفل وبيت الحاج جبار الأعسم وبيت شيخ علي الصواف وبيت الأسدي عبد الله أبو عصافير وإخوانه وبيت المبارك وبيت محمد اللفته وبيوت الطريحي وبيت السادة الخياطين وبيت ألبو عسكر الفتلاوي والسادة الموسويين منهم سيد عبد وسيد محسن وبيت المنكوش الحجامي وبيت ألبو جباب منهم عباس المحمد والحاج مهدي النهر وبيت عباس الصبار الفزاوي وبيت حاج جبار اليوسف العباسي وإخوانه والحاج حسون أبو حديبه الزبيدي وبيت شيخ باقر الحبيب الخفاجي وبيت صاحب الجرود الكَريطي وبيت الحاج فارس الكعبي والحاج كريم الزلف وبيت كاظم الجري الكعبي وبيت محمد جواد الجاسم الباني وبيوت ألبو سلطان منهم حاج هادي الحسن وبيت حاج كاظم الكلابي وبيت حاج عبود أبو دقيقه وبيت سلطان عريبي ، ووجدت دفتر حساب بقلم سيد هاشم السيد جواد السيد ضاحي السيد علي الذي ورد من الحجاز بتوقيع سيد هاشم أبو قوطرها يرجع تاريخه 1252هـ وقد وجدت شجرة النسب الذي بحوزة سيد غني الهواد تطابق الشجرة الموجودة لدينا حيث نرجع بنسبنا إلى الحسين ذا العبرة أو ذا الدمعة ابن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وقد مدح الشيخ محمد بن يونس الجليحي الحسكي أهل الملوم بقصيدة طويلة وأشاد فيها بالسيد حسين مكَوطر ، وكانت له صداقة حميمة مع السيد وبيت ألبو نصار ووجهاء أهل لملوم يقول فيها :
إلى آل لملوم تول المفاخر

فمن ذا يدانيهم علاً ويفاخر
ومن ذا يجاريهم حروباً وسطوةً

وفي الفضل والمعروف من ذا يكاثر
ومن ذا يضاهيهم جهاداً وصولةً

وفي الحلم والأعمال من ذا يناظر
ومن ذا يساويهم زحافاً وفتكة

بأسيافهم شقوا الكلا والأباهر
(1)
لهم عند وقع الخطب وثبة أرقم

لهم هم منها تفتّ المرائر
فأنتم حماة الدين جندي وجنتي

وأنتم سلاحي للعدى وذخائر
ولا سيما المعروف شرقاً ومغرباً

أمير له دان الملوك الأكاسر
هو ابن رسول الله وابن وصيه

سمّى الذي للدين عضب وباتر
حسين الحسيني الفتى من مقوطر

نمته إلى العليا بدور زواهر
حسين الذي يهواه قلبي ومن غدا

لسيف الهدى والدين بادٍ وشاهر
حسين أمير المسلمين ابن هاشم

به قام دين الله للبطل قاهر
هنيئاً لكم يا آل بيت مقوطر

بأشوس فتاك نمته الجواهر
ولا زالت الدنيا عليكم فسيحة

وضدكم في سورة الهم دائر
وإني الفتى من آل يونس مغرم

بمدحكم نظماً وما أنا ناثر
وهذه القصيدة التي تبلغ 53 بيتاً جائت أثر المعركة التي دارت بين جيش للوهابيين وبين الزوار من خزاعل وأهل لملوم بقيادة سيد حسين وابن محسن السبتي أحد رؤساء الخزاعل وقد أنهزموا هزيمة منكرة وأخذت خيولهم قلايع وكسبوا 62 جملاً وعشرة أفراس وخمسة أسرى أحدهم ابن جبرين من شمر وقد أبلى السيد هو وأهل لملوم البلاء الحسن واحتفى به عند شيخ جعفر كاشف الغطاء .
مقاومة أهل الشنافية للإنكليز في حرب الشعيبة 1914
وفي سنة 1914 دخل الجيش الإنكليزي البصرة وشاء الله أن ينبري لمقاومته علماء الشيعة والسادات والعشائر الفراتية خاصةً ويكون دور الشنافية بارزاً ومشرفاً وكان الثوار السيد نور الياسري وسيد هادي مكوطر وسيد كاطع العوادي وسيد علوان الياسري ومن العشائر عبد الواحد آل سكر وعبد العباس المزهر عن الفتلة ومرزوق العواد وعشائر العوابد وشعلان الجبر وعشائر البراهين وسيد محسن أبو طبيخ وعشائر الزياد واتفقو على يوم معين لانحدار السفن للبصرة تحمل المجاهدين والمواد الغذائية .
ولما وصلت سفن الفتلة والبراهيم إلى الشنافية وجدوهم بأنظارهم لم يسبقوهم فارتجل شاعرهم معرضاً بأهل الشنافية لماذا لم يسبقوهم للبصرة (يلزارع تال اشهل نومه) فأجابه مهوال الشنافية صاحب الجرود (يدبوب انتم عطلوتنه) وانحدرت السفن للبصرة وكانت أول معركة جرت لهم في منطقة الشعيبة ضارية شديدة الوطئة على المجاهدين حيث كان سلاحهم بدائي وقديم وأكثرهم يحملون السيوف والفاله والمكوار والخنجر وبقت المعركة أربعة أشهر يوم للمجاهدين ويوم عليهم ، وكان سيد هادي مكوطر يقود مجاهدين الشنافية ومنهم شيخ باقر الخفاجي وشيخ علي الطريحي وسيد محسن مكوطر وسيد عبد الموسوي وسيد جواد السيد محمد وسيد بديوي الصكر ، وسيد خشيل سيد محمد ، وسيد عيسى الحمادي ، والحاج جبار أبو دايم وشيخ علي الصواف ، وعبد علي اللفتة وسلطان العريبي وعلاوي عريبي وجبار المنكوشي وحاج كاظم الرماحي ، وفي أحد الأيام شدد الإنكليز بقصف المجاهدين بالمدافع وطلقات الطيران حيث كثرت في صفوف المجاهدين الإصابات فجاء أحد رؤوساء العشائر إلى سيد هادي وطلب أن يسمح له أن يغير موقعه وينسحب للخلف لتحسين مواقعه فأعطي الموافقة فانسحب انسحاب غير نظامي وارتبكوا فاستغل العدو الفرصة وباغت المجاهدين بهجوم صاعق وأزال المجاهدين عن مواقعهم وكانت عظيمة على المجاهدين وبدأ التلاؤم والاتهامات فيما بينهم ، وقد روى لي هذه القصة حاج سلطان العريبي وكان من حرس سيد هادي ومن الملازمين له يقول : حينما اشتد علينا قصف الإنكليز كان سيد هادي يصلي وكأن أي شيء لم يكن فلما انسحب المجاهدون بقي أهل الشنافية مرابطين حول السيد بأمل أن ينتهي من صلاته بسرعة حتى ينسحبوا أسوةً بإخوانهم ولكن السيد أطال صلاته حتى وصل العدو قرب مواقعنا يقول جئت للسيد فقلت له سيدنا الناس انسحبت للخلف ولم يبقى أحد معنا لو تخفف صلاتك حتى ننسحب ولكن كأن لم يسمعني فكثرت الإصابات والقتلى عندنا وألحّوا عليه أن أرجع السيد فجئت مرة أخرى فأخبرته بحالتنا وهو منهمك في صلاته فلم ينهي صلاته وكان سيد هادي نحيف البنية قصير القامة يقول فلما رأيت إصراره فما كان حين أن طرحته أرضاً على سجادته ولففته وحملته على متني وهربت به وهو يصيح ويلك يا سلطان حرام الإدبار والفرار من الكفار ولكني ركضت به حتى وصلنا إلى المواقع الجديدة .
وفي اليوم التالي ركب سيد هادي فرسه وجال بها بين المجاهدين ، وكان يحمل علم كتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله) وأخذ يصيح بين المجاهدين : (مَنْ يبيع نفسه إلى الله) فانتدب له ستمائة فارس من شجعان المجاهدين وكان منهم مائتين من الأكراد يرأسهم شيخ أحمد الحفيد فلما تأكد من الوضع قال كلمته المشهورة (والله لأصلين غداً في ساحتهم نوافل) فباتوا تلك الليلة وهم على أتم الاستعداد وحتى قبل بزوع الشمس هجم المجاهدون هجوم صاعق ومباغت على الجيش الإنكليزي ، فكانت معركة شديدة وحاسمة وأزاحوهم عن مواقعهم حتى أوصلوهم إلى البحر فكانت خسائرهم 354 قتيل بينهم 118 أسير هندي وكمية من السلاح ، وانتصر المجاهدون انتصاراً باهراً وقبل الظهر صلى سيد هادي في مواقعهم نوافل .
فهوّس شيخ باقر : ( ثلثين الجنة الهادينه * او ثلث الكاكه احمد وكراده) فأجابه مهوال السماوة (اشويه اشويه البربوتي) كان رئيسهم الشيخ بربوتي فأجابه مهوال الرميثة (مسطاح الجنة اللوفينه) (وحاجي لوفي زعيمهم) فقال أحدهم مازحاً (جا وين اكَعد يا رب هادي) .
دور الشنافية في الإنتفاضة العراقية يوم 17 شعبان ـ 4/3/1991
ناحية الشنافية بلدة صغيرة ومنزوية إلى جانب البادية العراقية تبلغ نفوسها 22 ألف تبعد عن الحدود السعودية 180 كيلومتر وفيها يتوحد نهر الفرات فيكون نهراً واحداً وكانت مركز سجن وإبعاد لكل من يناوئ الحكومات السابقة والحاضرة ، وأهالي الشنافية أشبه ما يكونوا بالعشائر الريفية تراهم أهل محلات ومغازات وخانات ومقاهي ومطاعم ، ولكن أكثرهم لهم أموال خارج الناحية من أغنام وأبقار وخيول ورؤس أموال يتعاملون فيها مع عشائر الشبل والعياش وخفاجة ، وتمسكهم بالدين مبدئي وعلى الفطرة وخاصةً ولاية أهل البيت عليهم السلام ، وفي شهري رمضان ومحرم تقام في الناحية المجالس الحسينية ويأتون بالخطباء الكبار أمثال المرحوم محمد علي اليعقوبي وسيد جواد شبر وشيخ عبد الزهرة الكعبي وشيخ هادي النويني وسيد جابر آغائي وشيخ عبد الوهاب الكاشي ، ولا تزال المضائف عندهم مفتوحة في كل وقت للضيوف للقريب والبعيد ومتأصلة فيهم العادات العربية الأصيلة ـ حتى حط ركاب العفالقة بوادينا فبدؤوا ينفثون سمومهم الكافرة فكان الترغيب والترهيب والضغط وتسفيه الشعائر الدينية ومحاربة الناس في سبل معيشتهم لا يمنحون أي ترخيص أو إجازة لغير عملائهم ولا يسهلون عملية أي بناء وخاصةً المجالس الحسينية وبدؤوا يجتذبون المراهقين من الشباب بأفكارهم وشعاراتهم المبطنة بالكفر والإلحاد وثم بدؤوا بمنع المجالس الحسينية ومنع المواكب المتجهة إلى كربلاء وهنا كان التحدي والاستنكار لما يقومون به العفالقة فإذا بهم يرون المجالس التعزية تقام بالشوارع وأمكنة لم تخطر ببالهم وإذا مواكب المشاة تخرج ليلاً متجهةً إلى كربلاء والمساجد والحسينيات مملوءةً بالمصلين ليل ونهار ، وكانت ردة الفعل أذهلتهم وإذا أكثر أهل المواكب والمصلين من المنتمين لحزبهم الكافر فجاؤوا بمسئول الفرقة الدليمي أبو مثنى وضابط الأمن من تكريت فبدأوا يطاردون الشباب المؤمن فكان التشريد وفصل الطلاب من المدارس وطرد الموظفين وتعسف ما أنزل الله به من سلطان ، حتى ضاقت بنا الأرض واظلمت الدنيا على الناس الطيبين والأخيار واستحكم طوق الخوف على الناس ثم جاء الفرج من الله وعلى أيدي شباب من أهل الشنافية حيث أقيم حفل سنة 1987 بمحافظة الديوانية بمناسبة ميلاد الحزب وكان برعاية المحافظ كاظم ابطين والمسؤول المجرم مسلم الجبوري ومسؤول اللجنة الأمنية محسن دوازه وضابط أمن كبار وضابط الاستخبارات العسكرية أبو فرقد فانبرى لهم الشباب المؤمن من أهل الشنافية يقودهم الشهيد كاظم سالم عيسى وثلاثة من الشباب المؤمنين وألقوا على حفلهم الكافر ثلاثة قنابل متفجرة فأصيب المحافظ ومدير الشرطة وثلاثة من المرتزقة وألقوا القبض على كاظم وأحد إخوانه وهرب الباقون ومنها تتالت العمليات حتى قال المحافظ مالي وأهل الشنافية ولم تسبق مني لهم أي جريمة ؟ وانكسر طوق الخوف وصار لا يمشي شرطي الأمن بمفرده إلا مجاميع وكثر توزيع المناشير ليلاً لمناهظة للسلطة وبدء المجاهدون يتجمعون في مكانين لا يمكن للسلطة أن تصلهم لوعورة الطريق إليها وكان المكانين قرب تلول الرمل المتحركة قرب نهر الخسف على بعد 8 كيلوات عن ناحية الشنافية والتجمع الثاني على نهر العطشان الميت قرب قرية الغرب ، وهو يجمع جميع الفئات من إسلاميين وهاربين من العسكرية وقواطع الجيش الشعبي ويقع هذا التجمع بين عشيرة البو صكر الخزاعية وعشيرة ألبو هليل وشعرت سلطة الناحية بحراجة الموقف حين علموا بأن أكثر الهاربين يدخلون ليلاً للولاية ويتزودون بما يحتاجونه من مواد غذائية وملابس وسلاح وعتاد ويرجعون إلى مكانهم والحكومة عاجزة عن القبض عليهم لهذا أعدوا حملة عسكرية من ثلاث محافظات وكانت القوات تتكون من قوات طوارئ وأمن واستخبارات ومن قواطع الجيش الشعبي والمرتزقة بقيادة المجرم عبد الحسن الفرعون ومحافظ السماوة ومسلم الجبوري ومحسن دوازه تعززهم ثلاث طائرات هلوكبتر وقد اشتركت في هذه الحملة القوات من محافظة السماوة ومحافظة الديوانية ومحافظة النجف وكانت الأخبار قد تسربت ووصلت للمجاهدين فنصبوا الكمائن وحصنوا مواقعهم .
وجائت قوات العفالقة من محورين لمحاصرة المجاهدين محور عن طريق البادية وهي قوات السماوة بقيادة محافظ السماوة ومحور عن طريق النجف ويضم قوات الديوانية وقوات النجف بقيادة عبد الحسن فرعون يساعده مسلم الجبوري وبدأت المعركة من ساعة 7 صباحاً حتى السادسة مساءاً وأسفرت عن هزيمة نكراء للجيش الشعبي وقوات الطوارئ والأمن الخاص وإسقاط طائرتين هلوكبتر وإصابة محافظ السماوة بساقه وعبد الحسن فرعون بخاصرته مع 11 قتيل وكثير من الجرحى وتعاون مع المجاهدين عشيرة ألبو صكر وعشيرة ألبو هليل وقتل المرحوم الحاج جلاب أبو خويط الخزاعي ومشيدين من عشيرة ألبو هليل وكان الحاج جلاب يقود المجاهدين وينظمهم ، والعفالقة يحسبون له ألف حساب هو وأولاده وصارت السلطة تنظر للشنافية بأنها أحد أوكار المناهظين للحكومة واشتهرت الناحية بعد هذي المعركة المشرّفة بطول العراق وعرضه ، ولفقت للشباب المؤمن الاتهامات الكاذبة وأعدموا ابن أخي حيدر سيد محمد ، وأعدموا ابن أختي أحمد مهدي وأعدموا ابن سيد يوسف الحكيم والشهيد جواد كاظم حميد وكاظم ثعبان ومرّت الأشهر والسنين العجاب والعصيبة واشتدت المحنة علينا ومنعث أنا أن أفتح مضيفي كذلك منعت من إدارة الحسينية الذي بناها والدي سنة 1968 ولم يسمحوا لي بتعميرها ، وفي أحد الأيام وجدت مناشير مطروحة أمام باب الحسينية فكان ذلك من الأيام العصيبة عليّ فكان سؤال وجواب ونفذ الصبر وراودتني فكرة الهجرة إلى السعودية حيث كانت لي إغنام ترعى هناك ، وكنا في انتظار الفرج وجاءت الانتفاضة المباركة يوم 17 شعبان المصادف 5/3/1991 وكان دخول الجيش إلى مدينة الكويت يوم مشهود ومبارك حيث تبيّن ضعف السلطة بالنسبة لنا حيث بدأ الحزبيون يتقربون للناس خاصة مع اللذين يعرفونهم أنهم غير موالين للسلطة .
وكان يطلقون علينا كلمة الحاقدون نحن جماعة معروفة لديهم وبدأنا نلتقي ونتجتمع كل ليلة في مكان وقمت بجمع أولاد السادة خاصة ونتطارح الأفكار والأخبار ولا نقوم حتى نتفق على اجتماع ثاني ثم بدئت فكرة الانتفاضة تتبلور عندنا وتجمعت قوات الحلفاء في السعودية وثبت عندنا لما نعرفه عن صدام وسوء تفكيره وعنجهيته وتعاليه بأنه لا يخرج من الكويت إلا بهزيمة ، وجمعنا بعض قطع السلاح وبدأ الهروب من الجيش بشكل مثير وعجيب ويجلسون في المقاهي والأسواق ولا أحد يكلمهم وفلت الزمام من أيدي الأمن والانضباط واتجهت أنظار الناس إلينا نحن المعروفين عندهم بالحاقدين ، وفي أحد الأيام كنت جالساً في مقهى حاج تركي وإذ بمراسل مدير الناحية يجلس بقربي ، وهو من الناس الطيبين وملتزم بدينه ويتجاهر بالعفلقية ، تقيةً فذهبت مع المراسل فدخلت ووجدت معاون الشرطة هذال الخزاعي عنده فحياني وسلم عليّ بلا تحفظ ، وبعدما شربت الشاي ، بادرني المدير : أي أبو أذياب شنهو نظرك في هذا الوضع ؟ أجبته أي وضع تعني ؟ قال بدأت مظاهرات في البصرة صار لها ثلاثة أيام وآخر الأخبار أن البصرة سقطت بيد المتظاهرين ، وكان كلامه مفاجئاً لي ولم أمهله فأجبته لا شعورياً هل بدئت الانتفاضة ؟ فضحك وقال هل تسمونها انتفاضة فتداركته وقلت له الانتفاضة ضد الأمريكان والحلفاء ! فضحك المدير ومعاون الشرطة وفي أثناء حديثنا جاء معاون الأمن وكان لا يرتاح لي كثيراً فغير المدير الحديث إلى أحاديث عامة ، فقال معاون الأمن خيراً سيد محسن اليوم أهنا !! قلت جئت للمدير أريد آخذ كتاب لمديرية الإصلاح الزراعي في المحافظة لجلب حاصدات للزرع حيث حلّ موسم حصاد الزرع ، فقال مدير الناحية : سيدنا بكره تعال على الكتاب . وبعد هذا هممت بالخروج فقال لي معاون الأمن سيدنا أبو ذياب نريد زيارتك أنا وأبو سلطان ومسئول الفرقة نشرب يمك القهوة أكو مانع ؟ قلت له الله يحييكم أهلاً وسهلاً متى ما جئتم أنا حاضر . بعدها خرجت ولأول مرة أرى المسئولين يتحببون لي وعلمت أن وراء الأكمة شيء مهم ! وكان عليّ أن أجمع رجالي وأخبرهم بأن الانتفاضة قائمة في البصرة منذ ثلاثة أيام وهي على وشك السقوط بيد المجاهدين وفي هذه الليلة القادمة يسيّر علينا مدير الناحية والمسؤولين ومعاون الأمن ومعاون الشرطة ، وكان عندي أحد الأولاد هارب من العسكرية من الكويت ، وفي الموعد جاءوا كلاً من مدير الناحية ومعاون الشرطة المحلية ومعاون الأمن ومسئول الفرقة كاظم منهل وأجويد سيد نور ، ومسئول الجمعيات الفلاحية حاتم جبارة وبعض المسؤولين في الحزب ، وبعد أن استقر بهم الجلوس قال معاون الأمن نهار أمس واليوم قامت مظاهرة في محافظة الناصرية هل عندك علم بذلك مخاطباً مدير الناحية ؟ فقال المدير لا أعلم بذلك ؟ ثم أردف قائلاً : أن البصرة سقطت بيد المتظاهرين وكذلك الناصرية وعليه نحن تدارسنا الوضع السائد الآن في ناحية الشنافية مع كثرة الهاربين ، والوضع غير مستقر فتقديراً منّا لمكانتك عند أهل الولاية ، وحرصاً منا على استتباب الأمن في الناحية ، ولما نعرفه فيك من عقلانية وحرص على أهل الولاية نود أن نستعين بك على تهدئة الوضع إذا صارت حركة ، لذا من رأينا جميعاً أن نسلمك سراً الحكومة ومركز الفرقة الحزبية ودائرة الأمن وبذلك تكون لك مكانة عند الحكومة بعد ما يهدأ الوضع فقلت : أنا واحد من أهل الشنافية وليس أبو أهل الشنافية وتوجد ناس أكبر مني سناً ولهم التأثير على أهل الولاية وكلنا نتعاون على تهدئة الوضع سلطة وأهالي ، قالوا هذا الذي نريده ويكره وغداً نسلمك شتريد من سلاح فاعتذرت أن أتحمل المسئولية أنا وقلت أنا واحد منكم وأكدوا عليّ أن اذهب صباحاً للسراي ، قلت عسى أن يكون خيراً إنشاء الله نصبح ونفلح ، وعندها خرجوا وكان الشباب مختبيء حول البيت في البستان وعند انصرافهم تجمعنا وأخذنا نحلل الأخبار وماذا كان قصدهم من هذا الكلام ، فكان ناتج ما توصلنا له أن الإنتفاضة قائمة فعلاً وقد وصلت محافظة السماوة فعلينا أن نستعد لها ونتقاسم الأدوار وكيف تكون السيطرة على سراي الحكومة ومقر الفرقة ودائرة الأمن وقد حذروني من الذهاب للسراي صباحاً خوفاً من أن يعتقلونني ، فأصررت على الذهاب وعند الصباح ذهبت للسراي ودخلت على المدير فوجدت جميع المسؤولين حاضرين وسلموا للناس السلاح واستلمت أنا أربع بنادق وصندوق عتاد فوزعتهن على جماعتي وكانت فرحتنا لا توصف بين ليلةٍ وضحاها إذ نحن الحاقدين كما يطلقون علينا لنا صدر المجلس ولا يتعدون مشورتنا وأرسلت أحد المجاهدين إلى قضاء الحمزة لتقصي الحقائق ويأتينا بالأخبار إلى أي مكان وصلت الإنتفاضة ، رجع إلينا الساعة الثامنة مساءً ليخبرنا أن الرميثة على وشك السقوط ، وكذلك قضاء الحمزة متهيئين فصار سباق مع الوقت وبتنا تلك الليلة على أحر من الجمر ووزعت الأدوار ، وكل منا عرف مكانه وكيف تكون السيطرة على السراي ومقر الفرقة ودائرة الأمن وعند الصباح وصلتنا الأخبار أن محافظة النجف سقطت بيد المجاهدين وقد سيطروا على كل مراكز الحكومة ومقرات الحزب فما كان مني في مثل هذا الموقف الحرج وعلى السرعة إلاّ إرسال للحمزة ليرى لنا عياناً وضع أهل الحمزة ويرجع لنا بالسرعة الفائقة ليخبرنا بأن أهل الحمزة ينتظرون سماع إطلاق إلا أن بين لحظة وأخرى وقبل أن يصلنا الخبر من الحمزة أرسلت ولدي أذياب للنجف ليرى الوضع عن كثب ويأتينا بفتوى من السيد الخوئي رحمه الله فلما أتانا طارش الحمزة لم أنتظر أذياب ، وكنت جالساً في دكّان عبودي الخياط وجماعتي حولي وأيديهم على قلوبهم خوفاً من أن تفلت الفرصة فأعطيتهم الإشارة ليذهبوا إلى مكان تخزين السلاح وأنا على أمركم أعطيت الإشارة إلى مهلهل ، وخشوش ، وفاهم ثعبان وعباس شمخي فأسرعوا وهم يركضون وكان السلاح في بيت سيد عزيز .
فلما رأت الناس الرجال تركض وأنا ورائهم مسرعاً صاحوا عليّ أبو اذياب خير اشصار عندكم ؟ قلت خيراً إن شاء الله فاعترضني أحدهم يسمى حمزة بجاوي سئلني أبو ذياب يقولون جائت الإنتفاضة عن طريق قرية الغرب صحيح قلت له ما عندي علم قال راح أسد دكاني قلت له سده ، فلما رأته الناس يغلق محله بدأ الارتباك في الشارع وبدأت الناس تقفل المحلات فلما وصلت جماعتي وجدتهم على أتم الاستعداد فخرجنا فكنا كل من عزيز سيد صاحب وعلي سيد عامر ومهلهل ونور سيد صاحب ومن مكان ثاني علي حمودي وعباس شمانجي وخشوش الكريم الخزاعي فقلت إلى علي سيد ثامر هوّس قال (بسم الله الرحمن الرحيم ماكو ولي إلاّ علي) وكانت الفرقة تبعد عنا كيلومتراً واحداً فقلت لهم لا تتحركوا حتى أقتل لكم ذلك الجالس على الرباعية فأطلقت عليه ثلاث طلقات فتركها وهرب فركضنا نريد السراي ، وكنت أركض وأطلق النار باتجاء السراي وجماعتي كذلك فلما وصلنا قريباً منه إذا بي أرى الشارع مملوء بالناس وهي تركض معنا ويهتفون بسقوط المجرم صدام وحزب العفالقة الكافرين وفي لحظات ثمة السيطرة على السراي ولم تكن هناك مقاومة تذكر وكذلك دائرة الأمن ومقر الفرقة ، ومركز شرطة الكمارك ودائرة البلدية وكانت حسينية والدي هي القاعدة للمجاهدين ، ومنها انطلقت أربع سيطرات على رؤوس الطرف المؤدية للناحية وقمنا بتهدئة الوضع حيث عملنا حراسة على الدوائر الحكومية ، والمدارس ، والمحكمة ، وكان دوام المستشفى اعتيادي وجعلنا عليه حراسة دائمة ومشددة خوفاً من إزعاج الأطباء والممرضين من قبل الناس وسُرقت بعض الأغراض من بيت مدير الناحية ، وحينما علمت ذهبت بنفسي ، وأرجعتها سالمة ، وذهبت لمدير الناحية وأرجعته لبيته هو وعائلته وألزمت ذياب واثنان معاه بحراسة بيت المدير وجلبت له كيس طحين وكيس تمن وخمس قواطي حليب ، ووفرنا له كل المواد الغذائية ، وكان قبل الإنتفاضة متعاطفاً معنا ، وبعد يومين من الإنتفاضة جاءت رسالة من اللجنة المشكلة من قبل السيد الخوئي رحمه الله يطلبون منا قوة تذهب للنجف ويكون مركزها مسجد الكوفة لوصول الجيش عن طريق الكفل ، فكان عدد الذين ذهبوا معي 280 مجاهد ولما تكامل المجاهدون . كان أول من صعد بالسيارات المتجهة إلى النجف أبنائي وأقربائي وركبوا الناس الباقية جميعاً وكان جميعهم من الشباب الذي لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرون وهذا ما دعاني إلى التحدث معهم بمكبرة الصوت إننا ذاهبون إلى القتال ولا نعلم إننا سنعود إليكم أم سنحصل على الشهادة ، لأننا سنقاتل ضد جيش مجهز بكامل الأسلحة والمعدات الثقيلة من دبابات ومدافع وطائرات هليكوبتراً ولذلك قلت لهم من يخاف على نفسه أو على ابنه فليبقى ولا يذهب للنجف معنا !! وعندما تحركت السيارات متجهة إلى النجف علت هلاهل النساء وهوسات الرجال فكانت دفعة معنوية عالية لنا وعند وصولنا إلى الكوفة وجدنا أمامنا أهل الرميثة الأبطال بقيادة المرحوم الرائد حميد والنائب ضابط حربي عبد علي عبادي الظالمي وكان معنا الملازم الأول عباس أبو درب والملازم الأول عباس حسن واجتمعنا في مسجد الكوفة للتنسيق في ما بيننا حيث كنا مجبرين على تقسيم المجاهدين قوة منهم ترابط شمال مسجد السهلة والقسم الثاني يرابط في نهر كري سعدة وعند الصباح ذهبنا نحن ستة مقاتلين لمقابلة السيد الخوئي رحمه الله .
أنا والمرحوم رائد حميد ومجبل مطشّر وجفات شعلان أبو الجون والملازم عباس أبو درب والملازم عباس حسن ، ولما دخلنا وجدنا المرحوم سيد جعفر بحر العلوم وثلاثة ضباط برتبة عقيد وعميد وأربعة رجال دين ، والمرحوم محمد تقي الخوئي فسلمنا عليهم وجلسنا وكانت لي معرفة سابقة بالسيد بحر العلوم وعند سؤالنا عن السيد الخوئي أخبرونا أن السيد مريض ولا يمكن أن يقابل أحد وقد وكّل عنه السيد جعفر بحر العلوم وكنت أكبر جماعتي سناً فكلمت السيد جعفر قلت سيدنا نحن مجاهدين من الرميثة وناحية الشنافية ستمائة مقاتل جئنا بناءً على طلب اللجنة المشكلة من قبل السيد الخوئي للدفاع عن النجف والكوفة ، وكان رحمه الله يقرأ القرآن والبندقية بين رجليه ، فقال كما أعرف أن أهل الرميثة وأهل الشنافية إخوان وعشيرة واحدة ، هل معكم ضباط ؟ قلت نعم معنا ثلاث ضباط حربيين قال رحمه الله سيدنا أنتم نسّقوا فيما بينكم ونحن علينا الدعاء لكم بالنصر بعد هذا ودعناهم ورجعنا إلى مسجد الكوفة حيث جعلناها قاعدة لنا والتحق كل منا في جماعته فكنا أنا مجيل مطش وجفات شعلان وعباس أبو درب في قاطع مسجد السهلة ومعنا 270 مقاتل ورائد حميد والملازم عباس وباقي المجاهدين في كري سعدى فكانت بيننا وبين الجيش مناوشات وجرح منا أربع مجاهدين على مدى أربعة أيام وفي الليلة الخامسة اقترح علينا رائد حميد أن نعمل قوة انتحارية على رتل الدبابات المتقدمة باتجاه السهلة فجهزنا 120 من المجاهدين اخترتهم اختياراً من الذين يعتمد عليهم وكان يقودنا نائب الضابط الحربي عبد علي الظالمي وقبل انطلاقنا نحو الهدف قمت بتفقد المجاهدين والتعرف عليهم وتسجيل أسمائهم وتشجيعهم فجاءني شاب لم يبلغ العشرين من العمر قال سيد سجلني معكم ، قلت له من أنت من أهل الرميثة أنت ؟ قال لا أنا من أهل الكوفة إسمي علي محمد الجبوري قلت أنت من أهل الكوفة وتروح معنا هذا لا يصير أبداً قال سيدنا إذا رأيت أي شيء مني مريب أقتلني بجدك اسمح لي بالذهاب معكم فترجاني بعض المجاهدين ، وقال : إسمح له يذهب معنا رجل واحد شيريد يعمل ونحن عيوننا عليه فسمحت له وكنا ننتظر غياب الشمس ، وإذا بي أرى أحدهم يلبس عباءة سوداء ويحمل كرك فناديت عليه من هذا أبو كرك ؟ قال أنا تركي كاظم العارضي ! قلت أين سلاحك ؟ قال لا يوجد عندي سلاح أنا وأخي في بندقية واحدة وسلاحي هذا الكرك ! قلت له تركي أنته ترجع ! قال لا والله لا أرجع سيدنا وأنا أرى العدو على بعد كيلومترين وأنا جئت أريد الشهادة وإذا لم استشهد فأن أحمل جرحانا أو قتلانا وأقاتل بأسلحتهم أنا خالك كيف أرجع ؟ فتأثرت لهذا الموقف الشجاع وبكيت وعندما خيم ظلام بدأنا بالتهيء وتسللنا في العرصات حتى قاربنا العدو وعند تمام الساعة الثالثة ليلاً بدء هجومنا المباغت من الهاونات والقاذفات ، وأحرقنا للعدو ثلاث دبابات وعطلنا واحدة والخامسة هربت والنار مشتعلة فيها وحرق ثلاث خيم وعند الخامسة صباحاً رجع المجاهدون إلى مكان التجمع المتفق عليه مسبقاً ونحن فرحون بهذا النصر وحمدت الله وشكرته ، بعد هذا أمرت لهم بالانصراف والتجمع عند النهر شمال مسجد السهلة وعندما تفقدت المجاهدين إذ أربع مجاهدين مفقودين منهم ابني مهلهل وأحمد طالب وعبد الخالق هوينني وعلي الكوفي فبقيت ومعاي شيخ كبير من المجاهدين بانتظار رجوع الأربعة المفقودين وعند تمام الساعة التاسعة صباحاً جائني مهلهل وأحمد فصرفتهم إلى مواقعهم الخلفية وبقيت أنتظر الباقين بعدهم بساعة جاء علي الكوفي وهو يسند عبد الخالق مجروح في ساقه فتأثرت لهذا المنظر كيف أنا قبل يوم أريد أطرده وأشكك به خوفاً أن يكون جاسوس والآن أرى هذا المنظر الشجاع فاعتذرت منه وقبلته وقلت يا عم اعذرني فإن صدام جعلنا نشك بأقرب الناس إلينا فأرجو المعذرة ثم انسحبنا لمواقعنا الخلفية .
وفي مساء هذا اليوم استشهد المرحوم الرائد حميد رحمه الله فكانت خسارته لا تعوض وتألمنا لفقده كثيراً وشحّت عندنا المواد الغذائية قسمت عليهم خمس ثمرات لكل واحد وفي اليوم السادس كبست سيطرة أهل الشنافية على جسر الكوفة سيارة قلم الفوج بكامل معداته مع ستة جنود في أسلحتهم ودفاترهم ولا سلكي واحد فأخذناهم معنا أسرى للشنافية وكثف الجيش بطلعات الطيران علينا لعلمهم عدم وجود مقاومة الطائرات عندنا وتقدمت الدبابات باتجاه مواقعنا كذلك شحّ عندنا العتاد وكثرة الإصابات بيننا وجرح سيد ناصر وأصيب عبد الله الخزاعي واستشهد جاسم محمد جواد واستشهد البطل علي الكوفي ، كذلك استشهد خمسة مجاهدين من أهل الرميثة بعد هذا قررنا الانسحاب فرجعنا للشنافية ووصلنا مساءاً وجدت اسكندر واصل لتوه من بغداد مشياً على قدميه وصلنا يوم 12/3/1991 فأخذنا يوم واحد استراحة وألح عليّ الذين لم يشتركوا معنا في الحملة الأولى أن نجهز حملة ثانية بعد أن نتزود بالسلاح والعتاد والمواد الغذائية فجهزنا ثلاث منشئآت كل واحدة تحمل أربعين مجاهداً ومن ضمنهم أولادي مهلهل واسكندر ، ومحمد سيد محمود ابن أختي، وعمار سيد كريم ، وسيد طاهر موسى ، وعلي حمود، وجماعة من بني عارض ، منهم أولاد دهيم ، فذهبوا عن طريق الشامية ولم أشترك أنا في هذه الحملة واعترضهم الجيش في دباباته وطائرات الهلوكبتر في مفرق غماس الشامية قرب قضاء أبي صخير فتقدم حملة البنادق الطويلة وقاموا بضرب الجيش من بعد كيلومتر وقامت الطائرات بإنزال المظليين خلف المجاهدين فطوقتهم من الأمام والخلف فتأسر قسم من المجاهدين فكانوا اسكندر، وعمار سيد كريم ، ومحمد سيد محمود ، وابن عباس مهدي ، وابن عبود ألبو نصار ، وبعد يومين من هذا الحادث الأليم قررت أن أذهب وأتفقد مكان المعركة لعلي أجد بعضهم مجروح أو قتيل ، وذهبت أنا ومهلهل وقبل وصولنا إلى مكان المواجهة واجهنا الجيش متقدم يريد ناحية غماس بدباباته وطائراته ورتل من السيارات تحمل الجنود وهم يطلقون النار على كل شيء متحرك أو غير متحرك على القرى والجسور والمدارس وحقول الدواجن وعنابر الحبوب ، فلما رأينا الوضع رجعنا إلى الشنافية وعند وصولنا بعد الواحدة من نصف الليل وجدنا الجيش محتل الناحية والناس كلها هاربة ومعتقلين ناس كثيرة من المجاهدين وغيرهم ، ونقل لي شهود عيان لما دخل الجيش إلى الناحية لم تكن هناك كمقاومة تذكر ، وتقدم الجيش باتجاه الحسينية وجدوا شيخ كبير يحمل بندقية فصاح عليه أحد الجنود إرمي سلاحك قال تعالوا عمي أخذوه ، فلما تقدموا عليه داخل منهم اثنان وأطلق النار عليهم فقتلهم وأطبق سرقي البندقية ولم يأتي ثانية بيده فقتلوه وهو الشهيد المرحوم محمود الدريس الكعبي فذهبنا إلى عشيرة العياش وسمعوا المجاهدين وعرفوا مكاني فتجمعنا وصار عددنا كبير وصارت الناس تتحاشى المرور على أوكارنا حيث أن الذي قريب علينا يخضع للتحقيق من قبل المجاهدين وقمنا ندخل ليلاً في الولاية ونجوب الشوارع لعلنا نلتقي بدورية من الجيش أو أحد العفالقة ، وهاجمنا بيوت الحزبيين فلم نجدهم حيث كانت خالية بيوتهم ودخلت بيتي فوجدت قسم منه مهدم بالشفلات ، وسيارة مهلهل محروقة ، وجميع ما يحوي البيت من أغراض منهوبة ، وخمسة عشر نخلة من البستان مقلوعة ، بقينا في هذا المكان مدة شهر بين يوم والثاني نقوم بغزوا الولاية وكنا في موقع يصعب الوصول إليه لا يمكن أن تصلنا دبابة أو سيارة إلاّ الطائرة وفي أحد الأيام في شهر رمضان ذهبت وجماعة من المجاهدين للصيد وعند رجوعنا وجدنا سيد هادي وعزيز سيد صاحب جالسين وبعد السلام وشرب القهوة ، قال لي سيد هادي أنته لازم تغادر هذا المكان لأن الحكومة عرفت مكانكم وسوف تهاجمكم وخاصةً أنته مطلوب راسك ، وكل شيء سجّل باسمك ، والشهود عليك كثيرة فقط مدير الناحية دافع عنك ، ولا نقبل تبقى أنت وجماعتك وأنتم بهذا الجمع الكبير وإذا لم تسلم نفسك سيقبضون على عائلتك وكل نسائكم ، فعليك مغادرة هذا المكان بكل سرعة ، ونحن جئنا نحذرك ، ولما ذهبوا اجتمع كل المجاهدين وقرروا الهجرة إلى السعودية ، وهنا لابد لي أن أذكر فضل آل عياش علينا فإنهم حمونا وبنو لنا البيوت وأمدونا بالمواد الغذائية وجهزوا لنا البيوت والفراش وذبائح الغنم وأخص منهم أولاً محمد الحجيل وأولاد أرواك علوان وسيد كريم عقرب وعبد الكاظم النعمة وضاري الخضر الخفاجي لما أبدوه معنا من أدب وأخلاق عالية وكرم وشهامة عربية فإنهم تحدوا السلطة العفلقية بإيوائنا واحترامنا ، ورفع معنوياتنا بعد هذا بدأت رحلة العذاب وجمعنا النساء من الرميثة والديوانية وهاجرنا للسعودية ، وكانت رحلة شاقة وهجرة غير مرغوبة بقينا ثلاث سنين في الصحراء رفحاء وبعدها إلى أمريكا وكانت خاتمة المطاف .
الشنافية : ملامح عامة
¨ قال الحسني في كتابه العراق قديماً وحديثاً ص 160 :
ناحية الشنافية : ـ الشنافية قصبة متوسط الحجم ، كانت المركز العام لتجارة الفرات الأوسط يوم كانت التجارة تتبع طريق النهر قبل أن تمد السكة الحديدية بين بغداد والبصرة ولهذا يشتغل أكثرية سكانها في بناء السفن وتسييرها حتى اليوم ، وهي تقع على ضفتي عمود الفرات المكوَّن من فرعيه ـ فرع الكوفة وفرع أبو الكفوف ـ في غربيها ، وبين الضفتين جسر سيار لعبور الأهلين يسمونه ((ثريمة)) بالتصغير ، ويسمى ما على الضفة اليسرى من القصبة ((الرماحية)) ، وما على اليمنى ((الخسف)) .
وتشتهر الشنافية بخصب تربتها ووفرة غلالها وسعة تجارتها وقوة جصها ، وينقل الجص منها إلى مختلف الأنحاء لشهرته في الجودة والقوة . وهي ((الشنافية)) تبعد عن مركز القضاء ((الشامية)) جنوباً 45 كيلومتراً وعمرانها قروي بسيط ، وسيرايها قديم كالحصن وأسواقها حافلة بكل ما هو ضروري للسكان والمسافرين .
¨ وجاء في كتاب ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر محبوبه 3/464 :
لملوم محل قريب من الشنافية حاز نصيباً وافراً من الحضارة والعمران وازدحم فيه العشائر والمهاجرون وتوطنه كثير من قبائل العرب والسادات المحترمين كآل مكَوطر وغيرهم وفيه أسواق فخمة وحمامات متعددة ، كما أن فيه كثيراً من عشائر الفرات المنطوين تحت سيطرة الخزاعل لكنه خرب قبل مدة وقامت على انقاضه بلدة الشنافية المعروفة التي لم يسعدها الحظ على أخذ شيء من العمران رغم طول مدتها ، قال في الطليعة : لملوم قرية كانت على مجرى الفرات في مجرى الماء بين الحلة والديوانية فخربت سنة 1220 لانتقال مجرى الفرات عنها فانتقل أهلها إلى الشنافية بين النجف والسماوة .
¨ وفي ديسمبر 1997 خلال زيارتي لمدينة (سانت لويس) الأمريكية التقيت بأحد رجالات الشنافية ودونت عنه بعض المعلومات عن المدينة وأحوالها العامة ، وهذا الرجل هو السيد هاشم بن حمد بن حسين بن جواد بن ضاحي بن هادي بن موسى من آل السيد حمادي آل مكَوطر الحسيني . وهو من مواليد الشنافية 1929 .
ذكر لي أن تسمية الشنافية نسبة إلى رجل اسمه (شنافي) كان راعياً للدواب وقيل أن الخيل شنّفت فيها حين رجعت من واقعة كربلاء سنة 61هـ ؟ ، والشنافية ناحية تابعة إلى محافظة القادسية حالياً وتضم مع ضواحيها حوالي 40 ألف نسمة منهم 6 آلاف في مركز الناحية ومن بين عشائرها المعروفة في الضواحي :
كعب ـ خفاجة ـ آل عياش ـ بني سلامة ـ آل فرطوس ـ شبل ـ بشتيوي ـ الليهبات ـ بني عارض ـ ألبو هليل ـ الغزالات ـ الأعاجيب مع قسم من الظوالم وهناك اتحاد عشائري يطلق عليه سم جبشة .
وفي مركز المدينة : الرماحية ـ الجبور ـ السادة ألبو سيد جواد ـ آل مكَوطر ـ ألبو الدين ـ ألبو سلطان (وألبو سلطان هؤلاء في أصولهم القديمة أكراد وسفّروا إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية ! والواقع أن أفرادها كانوا من المعارضين للسلطة ، وأن أحدهم وهو المرحوم كاظم سالم عيسى ضرب المحافظ المدعو كاظم ابطين ظاهر فأخذته السلطة واستشهد تحت التعذيب سنة 1986) .
وهناك الكثير من المعارضين السياسين في الشنافية كانت السلطة تعدمهم وترميهم في منطقة رملية تابعة إلى الشنافية يُطلق عليها اسم (المهاري) تبعد عن الشنافية حوالي 6 كم وهي منطقة أثرية فيها كهف قديم وبقربها موضع يعرف باسم الخسف (في مكان المالح) وتنتشر في ضواحي الشنافية العديد من الإيشانات الأثرية (المواقع القديمة) ومنها إيشان معروف عند آل عياش .
وفي الشنافية عدد من المراقد والمزارات من بينها مرقد شُريح القاضي ، وقبر السيد عيسى بن زيد بن علي بن الحسين السبط ، وقبر عبد الله بن الحسن المثنى ويعرف القبر محلياً باسم (أبو جيلة) ويقال أنه السجن الذي هدم عليه .
¨ ورأيت في أعيان الشيعة 2 / 230 ما نصه :
((إبراهيم من ولد النفس الزكية صاحب المزار قرب الشنافية كما يفهم من قول الطريحي في رجاله أنه مدفون بالأحمر قرب الكوفة)) .
¨ ومن رجالات الشنافية والملامها : السيد هادي مكَوطر المجاهد العراقي المعروف بدوره المشرف في الثورة العراقية سنة 1920 ، المتوفى في الشنافية 1342هـ وقد أرخ وفاته الشيخ على البازي بقوله :
مذ غيب الهادي لدى افتقاده

عنا أسىً خبا ضياء النادي
يا ناعي الإيمان والتقوى معاً

أرّخت (قُل غاب الزعيم الهادي)
¨ ومنهم المجاهد السيد موسى آل مكَوطر أحد أقطاب المشروطة الحزب الديمقراطي ، وكان لجدنا الراحل الشيخ كاتب الطريحي صحبة معه ولما توفي السيد موسى رثاه الشيخ كاتب بقوله من قصيدة :
قد وهى من ذوي العناد العماد

مذ بموسى قد استقام الرشاد
هو موسى مهما يهزّ عصاه

تتلقف ما يأفك ((استبداد))
كان شمل استبدادهم في اجتماع

وبماضيه عاد وهو سداد
عمك الله بالشفاء وإن لم

يرض فيه الأعداء والحُسَّاد
كلَّ يا سيدي بمدحك فكري

وعصاني الإنشاء والإنشاد
فابق غيظ العدى ولا زال مغناك إليه تقاصد الوفاد
¨ ومن رجالات آل مكَوطر أيضاً السيد حسين بن السيد سلمان آل مكَوطر المتوفى سنة 1941 وكان حاكم الشنافية وزعيم عشائرها . ومن علماء الشنافية :
الشيخ باقر الخفاجي الحلي ـ الشيخ عبد الكاظم الغبّان ـ الشيخ محمد حسن الطريحي ـ الشيخ نعمة الخفاجي الحلي ـ ومن خطبائها :
السيد عبد الأئمة أبو كفاية (الكفائي) ـ والسيد ناصر آل طاهر المحنة ـ والشيخ رزاق آل ساجت العباسي (قتله البعثيون بالسم في الشنافية أواخر سنة 1990) .
ومن شعرائها الشعبيين عواد آل شطنان ، وكان مهوالاً لعشيرته حيث أن لكل عشيرة مهوال خاص بها .
ومرت الكثير من الحوادث في البلدة منها حادثة 1987 حيث هرب المئآت من الخدمة العسكرية والتجأوا إلى البساتين واشتبكوا مع الجيش وأسقطت يومها طائرتا هيلوكوبتر وجرّ ذلك إلى اشتباك مع عشيرة آلبو خويط (من الخزاعل) وفي الانتفاضة ساهم أهل الشنافية مساهمة كبيرة كما دون ذلك السيد حسين آل السيد محسن واستشهد الكثير من شبابها أمثال :
محمد جواد شاكر جاسم الأرناووطي ومحسن عباس ديكَان وغيرهم .
ومن المفقودين :
جمعه جبار يوسف من بني العباس ، وجعفر جابر طه الشيباني ـ والسيد جابر بن السيد هادي مكَوطر ـ ومحمد آل جعفر آل محمود ـ واسكندر محسن حسين آل مكَوطر ـ وعمار السيد كريم مكَوطر ,
ودراسة الشنافية من جميع النواحي التاريخية والاجتماعية لابد أن تدرس معها حواضر الفرات الأخرى المتاخمة لها أمثال : الرميثة ـ غماس ـ الشامية ـ الحمزة ـ الديوانية ـ الرماحية … ألخ ، وأذكر أنني في العدد الثاني والثالث من مجلة الموسم ذكرت مخطوطة عن تاريخ الشنافية رأيتها لدى مؤلفها السيد ضاحي آل مكَوطر ووصفتها هناك .
وقبل أن ننهي حديثنا المقتضب عن الشنافية فلابد من التنويه بأنها حظيت بأعظم فقيه وعالم مجتهد حلها منذ بداية القرن العشرين وهو آية الله الشيخ علي بن شيخ حسين بن الشيخ صافي الطريحي المتوفى سنة 1916م ، وكان من أساتذة الفقه والأصول ومن المجاهدين ضد الإنجليز مع صديقه المجاهد السيد هادي آل مكَوطر ، وله مؤلفات كثيرة منها : الدر المنثور في عمل الساعات والأيام والشهور ، شوارع الأحكام في شرح شرائع الإسلام ، وسيلة السعادة في مندوبات العبادة وغير ذلك ، ويمكن التوسع في حياته بالرجوع إلى المصادر التالية : أحسن الوديعة 2/60 ، أعيان الشيعة 41/174 ، ماضي النجف 2/453 ، معجم المؤلفين 7/74 ، نقباء البشر 4 /1411 ، الأدب العصري في العراق 1/162 ، الذريعة 8/76 ، 11/55 ، 14/236 ، 35/78 ، معجم رجال الفكر في النجف 2/837 . ومن أولاده محمد علي الطريحي مدير بلدية الفيصلية وأمين والشيخ محمد حسن الطريحي والأخير خطيب وشاعر باللغتين الفصحى والعامية . قال الأميني في معجم رجال النجف ص842 (محمد حسن بن الشيخ علي الطريحي 1317 ـ 1382) أديب فاضل خطيب شهير ، وشاعر جليل ولد في النجف الأشرف وتتلمذ على الفضلاء والأعلام وتفوق في الخطابة ، ونظم الشعر بالطريقة الدارجة (الحسكة) أولاده : معز الدين ، غياث الدين ، عبد الخالق . له ديوان شعر (أقطاب الأدب الشعبي 1/51 ، خطباء المنبر الحسيني 4/60) .
ومن شعر المرحوم محمد حسن الطريحي :
مولد الرسول العظيم
(صلى الله عليه وآله وسلم)
كست الكون بهجة الأنوار

مذ بدت فيه غر المختار
في مساء أيوان كسرى به انشق

وشاعت ذكرى خمود النار
في سماء النجوم سارت وطافت

بهناء وفائق استبشار
وهوت للثرى هيا كل أصنام

المضلين تبتغي للفرار
وعلى البيت أسدل البرقع

الأخضر من سندس هداه الباري
كل هذا جرى ليلة ميلاد

النبي الأمي كنز الفخار
كانت المصلون ترقب هذا اليوم

في فارغ من الأصطبار
حيث كانت المظالم تنمو

وطغى الاستبداد في الفجار
أخذت فوضويوا الناس تزداد

وشاع الفساد في الأقطار
دور جهل وفتنة وظلال

وشقاق ومحنة ودمار
وإذا هم بذلك الليل يُجلى

مزقته شمس الهدى بازدهار
ودياجير ظلمة الغي ولّت

قد جلاها للعدل خير نهارِ
قام فيها خير النبيين يدعو

للهدى والرشاد والافتخار
يا نبي الهدى بفضلك فزنا

وبلغنا السهى عُلا بانتصار

في مدح قبة الإمام علي
(عليه السلام)
قبة تنجلي لديها الهموم

وينال الغفران منها الأثيم
نصبت في الثرى ببقعة قدس

تتمنى الأفلاك فيها تقيم
نصبت في الثرى بأرض يود

البدر فيه بروجه تستقيم
نصب في الثرى المقدس لكن

طاول العرش فخرها المعلوم
طبت يا بقعة الغري وطابت

جنة الخلد حيث فيك القسيم
أنت قدس يضيء طورك نوراً

من سنا قبة ثناها قديم
هي للعرش بالفخار فريق

بفناها قدماً تنبا الكليم
هي من نور ذي المعارج صيغت

حيث فيها صراطه المستقيم
كيف لا تستطيل في رفع شأن

صغرت مكة لها والحطيم
هل حوت مكة فتىً كعلي

هي لولاه ذكرها معدوم
لم يؤذن سوى صدى سيفه

للناس بالحج ليس إبراهيم
حيث كان الخليل بلّغ بالصوت

وتبليغ حيدر معلوم
فضح اللات واليغوث وأردى

هبلاً وطغاة منه أستظيم
***

أنت يا بقعة الغري
أنت يا بقعة الغري النعيم

بفناك الفخار قدماً مقيم
أنت واد العليا والمجد والفضل

لك الشأن والثناء القديم
كم ثوت في ثراك أبحر علم

أحيت الهالكين تلك العلوم
كم بدت في سما علياك أقمار

كمال تجلى بهن الهموم

النهضة العربية
نهضاً لعزكم يا ساسة العرب

هيا لنيل المعالي يا ذوي الرتب
قوموا بعزم وإقدام ونشر صفاً

ما بينكم تمنحوا بالنصر والغلب
وسابقوا لارتقاء الفخر وابتدروا

للمجد حِثّاً لنبذ الحقد والغضب
تعاضدو يا بني قحطان واتحدوا

حتى يطول علاكم هامة الشهب
ووحّدوا كلمات العرب واتفقوا

يَعُدْ لكم مجدكم في سالف الحقب
ألم تعوا نبأ الماضي كيف سمت

علياهم شيدت بالجد والتعب
القادسية فيهم قبل قد شهرت

بأنهم ثبتوا بالحرب كالهضب
وهذه سوريا كم من بطارقة

للروم قد صرعتها العرب بالترب
وتلك أندلس كم من غطارفة

للعرب سادوا بها دهراً بلا رهب
***

ليست هناك تعليقات: